مقالة عجبتني كتير وأتفق معها وبشوف انها بتنطبق على الأوضاع العربية بشكل عام
حتى لا نستبدل السجان..!
بقلم أحمد الصاوى
كان الصحفى الإيرانى «هوشانج أسدى» يبلغ من العمر ٢٦ عاماً، بينما كان «على خامنئى» يبلغ من العمر ٣٧ عاماً حين التقى الاثنان فى زنزانة من زنازين الشاه، قبل قيام الثورة الإسلامية فى إيران بعدة أعوام، لم يكن هوشانج يعرف أن زميله فى الزنزانة سيكون يوماً ما المرشد الأعلى فى إيران، وصاحب الأمر والنهى والولاية، لكنهما، حسبما جاء فى مذكراته التى عنونها بـ«رسائل إلى معذبى»، وأفصح عنها فى حوار مهم مع صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، كانا يحلمان بالعدل وسط سياسات التعذيب والتنكيل التى تعرضا لها فى عهد الشاه.
كان الأول «شيوعى» والثانى «إسلامى»، لكن كليهما جمعت بينهما المعارضة للقمع والاستبداد، والتطلع إلى حرية تحمى كرامة الإنسان، تشاركا الزنزانة والسيجارة والحياة، تصادقا وتبادلا الحكايات، وعندما حان موعد الفراق وصدر قرار بترحيل «هوشانج» من سجنه، تعانقا فى لحظات الوداع وبكيا، وقال له «خامنئى»: «فى ظل حكومة إسلامية لن يذرف برىء دمعة».
كان «خامنئى» فى وقتها يعى ما يقوله تماماً ويؤمن به، فنظرة واحدة لسطور «هوشانج» عن رفيقه فى السجن وعن تقواه وورعه ورقته وقبوله للآخر حتى لو كان «ملحداً» تكفى لتخرج بهذا الاستنتاج، لكن الصديقين افترقا، وغادرا السجن، وقامت الثورة الإسلامية فى إيران، وتشكلت الحكومة التى كان يحلم بها ويروج لها «خامنئى»، ويقول إن بريئاً لن يذرف دمعة فى ظلها، لكن سنوات قليلة مضت كان «خامنئى» يصعد فى سلم السلطة الجديدة، وكان «هوشانج» يعود إلى الزنزانة ذاتها، لم يتغير منها سوى أنها صارت انفرادية دون صحبة الشيخ التقى، وتغير السجان من حكم الشاه إلى حكم «الملالى»، وتبدل الجلاد من «السافاك» إلى الحرس الثورى.
كان «هوشانج» شاباً يتوق للحرية، يشعر بوطنية عميقة، مغرماً بالأدب. كان يظن أن العالم يمكن أن يتغير، لذلك وقف إلى جوار الثورة الإيرانية وهو يؤمن بشدة بأن الديكتاتورية ستنتهى إلى الأبد، وبراعم الحرية ستتفتح، لكنه فجأة وجد نفسه فى الجحيم.. معذبه ظن أنه يمثل الله على الأرض، ورآه جاسوساً وخائناً وتجسيداً للفساد والشر، وبكل الاتهامات التى وجهها إليه أجبره تحت الجلد والحرمان من النوم والتعليق بحبل طوال أيام وليال وتهديده بأن زوجته تخضع أيضا للتعذيب، على الاعتراف بها، حتى حاول الانتحار عدة مرات للهروب من ألم التعذيب. غادر الرجل سجنه بعد سنوات إلى باريس، وهناك شاهد صوراً للسفير الإيرانى فى كازاخستان، ولم يحتج جهداً ليعرف أنه نفسه الضابط الذى كان يتولى تعذيبه والتنكيل به.
تخطئ لو أخذت هذه القصة على أنها شأن إيرانى، فالمسألة أكثر عمقاً من ذلك، ومتكررة، خاصة فى شعوب ثقافة الحريات فيها ليست أكثر من شعارات، فلا تصدق داعيا للديمقراطية إلا بعد أن تشاهد تجربته فى السلطة، لأن هذه اللعينة «السلطة» كما قال «هوشانج» غيرت الشيخ التقى الورع الذى كان يبكى أثناء الصلاة، وجعلته قائداً فى نظام لم يتورع عن استخدام كل أساليب القمع التى تعرض لها وقاومها، فى التنكيل بمعارضيه. ليس كل من يقول «الله ورسوله» يصلح لتطبيق العدل الذى هو جوهر الشريعة، وليس كل من يتحدث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان يمكن أن يكون أميناً على هذه القيم، وإلا سيظل الأبرياء يذرفون دموعاً لا تجف وللأبد.
بقلم أحمد الصاوى
كان الصحفى الإيرانى «هوشانج أسدى» يبلغ من العمر ٢٦ عاماً، بينما كان «على خامنئى» يبلغ من العمر ٣٧ عاماً حين التقى الاثنان فى زنزانة من زنازين الشاه، قبل قيام الثورة الإسلامية فى إيران بعدة أعوام، لم يكن هوشانج يعرف أن زميله فى الزنزانة سيكون يوماً ما المرشد الأعلى فى إيران، وصاحب الأمر والنهى والولاية، لكنهما، حسبما جاء فى مذكراته التى عنونها بـ«رسائل إلى معذبى»، وأفصح عنها فى حوار مهم مع صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، كانا يحلمان بالعدل وسط سياسات التعذيب والتنكيل التى تعرضا لها فى عهد الشاه.
كان الأول «شيوعى» والثانى «إسلامى»، لكن كليهما جمعت بينهما المعارضة للقمع والاستبداد، والتطلع إلى حرية تحمى كرامة الإنسان، تشاركا الزنزانة والسيجارة والحياة، تصادقا وتبادلا الحكايات، وعندما حان موعد الفراق وصدر قرار بترحيل «هوشانج» من سجنه، تعانقا فى لحظات الوداع وبكيا، وقال له «خامنئى»: «فى ظل حكومة إسلامية لن يذرف برىء دمعة».
كان «خامنئى» فى وقتها يعى ما يقوله تماماً ويؤمن به، فنظرة واحدة لسطور «هوشانج» عن رفيقه فى السجن وعن تقواه وورعه ورقته وقبوله للآخر حتى لو كان «ملحداً» تكفى لتخرج بهذا الاستنتاج، لكن الصديقين افترقا، وغادرا السجن، وقامت الثورة الإسلامية فى إيران، وتشكلت الحكومة التى كان يحلم بها ويروج لها «خامنئى»، ويقول إن بريئاً لن يذرف دمعة فى ظلها، لكن سنوات قليلة مضت كان «خامنئى» يصعد فى سلم السلطة الجديدة، وكان «هوشانج» يعود إلى الزنزانة ذاتها، لم يتغير منها سوى أنها صارت انفرادية دون صحبة الشيخ التقى، وتغير السجان من حكم الشاه إلى حكم «الملالى»، وتبدل الجلاد من «السافاك» إلى الحرس الثورى.
كان «هوشانج» شاباً يتوق للحرية، يشعر بوطنية عميقة، مغرماً بالأدب. كان يظن أن العالم يمكن أن يتغير، لذلك وقف إلى جوار الثورة الإيرانية وهو يؤمن بشدة بأن الديكتاتورية ستنتهى إلى الأبد، وبراعم الحرية ستتفتح، لكنه فجأة وجد نفسه فى الجحيم.. معذبه ظن أنه يمثل الله على الأرض، ورآه جاسوساً وخائناً وتجسيداً للفساد والشر، وبكل الاتهامات التى وجهها إليه أجبره تحت الجلد والحرمان من النوم والتعليق بحبل طوال أيام وليال وتهديده بأن زوجته تخضع أيضا للتعذيب، على الاعتراف بها، حتى حاول الانتحار عدة مرات للهروب من ألم التعذيب. غادر الرجل سجنه بعد سنوات إلى باريس، وهناك شاهد صوراً للسفير الإيرانى فى كازاخستان، ولم يحتج جهداً ليعرف أنه نفسه الضابط الذى كان يتولى تعذيبه والتنكيل به.
تخطئ لو أخذت هذه القصة على أنها شأن إيرانى، فالمسألة أكثر عمقاً من ذلك، ومتكررة، خاصة فى شعوب ثقافة الحريات فيها ليست أكثر من شعارات، فلا تصدق داعيا للديمقراطية إلا بعد أن تشاهد تجربته فى السلطة، لأن هذه اللعينة «السلطة» كما قال «هوشانج» غيرت الشيخ التقى الورع الذى كان يبكى أثناء الصلاة، وجعلته قائداً فى نظام لم يتورع عن استخدام كل أساليب القمع التى تعرض لها وقاومها، فى التنكيل بمعارضيه. ليس كل من يقول «الله ورسوله» يصلح لتطبيق العدل الذى هو جوهر الشريعة، وليس كل من يتحدث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان يمكن أن يكون أميناً على هذه القيم، وإلا سيظل الأبرياء يذرفون دموعاً لا تجف وللأبد.